استمرار دعوات اضراب المعلمين في تعز: طابور خامس وواقع مرير

فتحي أبو النصر :

مدينة تعز التي عُرفت عبر العصور بتنوعها الثقافي، وقيمها الحضارية، تَعرَّضت لمجموعة من التحديات السياسية والاجتماعية التي عكست صورة قاتمة من الاضطراب والفوضى، فيما كانت ولا تزال معركة تتجاذبها القوى الداخلية والخارجية.

لكن ما يثير القلق ليس فقط الحرب العسكرية الدائرة في المحافظة، بل أيضا الخطر الخفي المتمثل في الطابور الخامس، ذلك الكائن المتربص بالاستقرار، الذي يضطلع بدور محوري في تأجيج الأزمات.

فمنذ عام 2011، بدأ اليمن يعيش فترة من التحولات الجذرية إثر ثورات الربيع العربي، التي وضعت البلاد على مفترق طرق.

بينما كانت تعز في قلب هذه التحولات، معارضة شديدة للكهنوت والفساد، فمواقفها المناهضة لنظام الرئيس صالح كانت واضحة ومؤثرة.. لكن مع دخول السعودية والإمارات في المعركة إلى جانب “الشرعية”، اثر الانقلاب الحوثي ،وحجم التدخل العسكري والسياسي، بدأت معاناة أهل تعز تأخذ منحى آخر، أشد قسوة، ليس فقط بسبب الحرب المدمرة، ولكن أيضا بسبب ذلك “الطابور الخامس”.

إن هؤلاء هم الذين يعملون بشكل خفي وعلني على تفكيك الجبهة الداخلية وتعميق الانقسام.. هم الذين يقدمون تبريرات واهية لتبرير انهيار الوضع في المدينة وتهديد استقرارها، عبر ممارسات وأفكار تخدم مصالح قوى الزيدية السياسية التي تحاصر تعز.

وهكذا على حساب مصلحة الشعب في تعز. تتفاقم الأصوات الداعية لإضراب المعلمين وشل الحركة التعليمية في المحافظة.

بمعنى آخر في حين تتفاقم أزمة العملة وتزداد حدة الأسعار، يأتي أولئك ليعزفوا على نغمة الانقسام، ويوظفوا سياسات تضليلية تعرقل أي محاولة للتغيير الحقيقي.

على إن دور السعودية والإمارات في تعز لا يمكن تجاهله في سياق الصراع اليمني، إذ يتداخل تأثيرهما العسكري والاقتصادي بشكل كبير في مجريات الأحداث.

ورغم أن التدخلات العسكرية لهاتين الدولتين كان هدفها دعم “الشرعية” وحماية مصالحها الاستراتيجية في اليمن، إلا أن هذه التحركات لم تفضِ إلى استقرار دائم في تعز، بل أسهمت في تعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ولقد استخدمت كل من السعودية والإمارات أدوات محلية من خلال دعم بعض المليشيات والقوى العسكرية التي تؤثر على الوضع الداخلي، وهو ما أسهم في تفاقم الانقسام السياسي والمجتمعي في المدينة.

على أن تعز، بما تمتاز به من أهمية استراتيجية، أصبحت نقطة ارتكاز للصراعات متعددة الأطراف، ما جعلها أكثر تضررا من باقي المناطق اليمنية.

لكن المؤكد أن هذه التدخلات الخارجية كانت تهدف إلى ضمان الحفاظ على مصالحهما، بينما أُهمل في المقابل جهد توحيد الصف الوطني وإنهاء الانقسامات الداخلية.

تضاف إلى المعادلة السياسة الاقتصادية المدمرة التي تتبعها “الشرعية” المدعومة من الرياض وأبوظبي، والتي جعلت من الأوضاع المعيشية في تعز أسوأ بكثير.

فانهيار العملة المحلية نتيجة تصاعد سعر الدولار، أدى إلى تدهور القدرة الشرائية لدى المواطنين، خاصة المعلمين والموظفين الذين عانوا من توقف الرواتب لفترات طويلة، مما جعل الوضع أكثر صعوبة .

ولقد كان هذا الركود المعيشي مدفوعا، جزئيا، بسياسات الاستيراد والتصدير التي ترتبط بالضغوط السياسية الخارجيةواستشراء شبكات السوق السوداء.

ولكن على الرغم من هذه المعاناة، يستمر صوت المقاومة في تعز عاليا، مُتجسدا في مسيرات المعلمين والمواطنين المطالبة بالحقوق والمساواة.

والحق إن الدعوات للإضرابات التي تطالب بتحسين الأوضاع لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة للمعاناة اليومية التي يعاني منها المواطنون في ظل انهيار الاقتصاد وغياب الخدمات الأساسية.

لكن الحقيقة المُرة هي أن هناك من يتمنى أن تظل الأوضاع على ما هي عليه، سواء بما يصب في مصلحة نفوذ المليشيات الحوثية أو إضعاف الجبهة الداخلية.!

ونحن نرى إن هؤلاء الطابور الخامس لا يتورعون عن توظيف سياسات التحريض والانقسام لتحقيق أهدافهم الضيقة، غير مدركين أن ضررها سيطال الجميع.

والحال إن تعز اليوم تقف على مفترق طرق حاسم.

فإما أن تعود المدينة إلى الحياة والتعافي من خلال وحدة الصف الوطني ونبذ الخلافات، وإما أن تظل أسيرة لأعدائها من الداخل والخارج الذين لا يريدون سوى المزيد من الخراب.

وبالطبع فإن هذا التحدي يتطلب وعيا جماعيا، وتعاونا حقيقيا بين كل القوى الوطنية، بعيدا عن الانتماءات الطائفية أو الحزبية الضيقة.

ثم إن تعز، كغيرها من المدن اليمنية، بحاجة إلى من يرفع راية الاستقرار والعدالة الاجتماعية، ويتعاون الجميع من أجل قادم أفضل.

لذلك نرفض وبشدة أي محاولات لإرباك الأوضاع في تعز، ونؤكد على أهمية تعزيز الأمن والاستقرار في المحافظة. لا للتحريض ضد الجيش الوطني الذي يسهر على حماية الأرض والعرض، وندعو الجميع إلى الوقوف بجانب مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية. كما نؤكد على ضرورة إنصاف المعلمين وتحسين أوضاعهم بما يتناسب مع دورهم الكبير في بناء المستقبل. إن أمن محافظة تعز وسلامتها يجب أن يكونا الأولوية في جميع الأوقات، ولن نسمح بأي تهديد أو تدمير لهذا الأمن. الوقوف مع الجيش والأمن هو واجب الجميع من أجل تعز وأهلها أولا وأخيرا.

والخلاصة أن التحريض ضد المحافظ يعكس تجاهلا للوضع الحساس في تعز، ويعمق الانقسامات بدلا من البحث عن حلول توافقية. إن هذا التصعيد يفتح الباب لتعزيز قوى المليشيات الحوثية، التي تستفيد من تفكك الجبهة الداخلية. بدلا من التركيز على الهجوم، كان يجب دعوة جميع الأطراف للحوار والتعاون لتجاوز الأزمة وتحقيق مصلحة الجميع.

ولكن لا مبرر طبعا لتأخير رواتب المعلمين ..ومن المستفيد من إضرابهم في مستهل الفصل الثاني ؟! اليس بقاء الطلاب والطالبات في منازلهم بمدارس تعز الحكومية بسبب إضراب المعلمين شيئا مخجلا ؟!

إن رواتب المعلمين أولوية لاتقبل أي تأخير أو عذر يا شرعيتنا التي لا تأبه لعذابات غالبية الشعب التعزي المقاوم اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى